قدم مسرح عناد وبتنظيم مجموعة “باور” وجمعية مساحات وبدعم من وزارة الثقافة الفلسطينية، عرضاً لمونودراما “جَبرا” التي أداها الفنان المسرحي خالد المصو، هذه المرة كان العرض في حمام النعيم بالبلدة القديمة في الخليل، وكأن حجارة المباني القديمة طوعت كل ما فيها ليعيش الحضور في اروقتها تفاصيل قصة خُطت حروفها قبل أكثر من مائة عام في محاكاة اقرب للواقع رغم اختلاف الجغرافيا والمكان.
من مكان واحد وبممثل واحد تنقل الحاضرين بين بيت لحم والقدس زاروا ساحة كنيسة المهد واحيطوا بعبق بخورها، رأوا القدس بعيون الطفل جَبرا إبراهيم جبرا الذي نسي من جمال تفاصيلها انه ذاهب لبيع حذائه الذي كان يحلم به ويحضر نفسه لارتدائه بالعيد، مقابل تأمين المنزل من الغذاء وباقي الاحتياجات، وعاشوا فرحته باول دفتر وقلم اشتراه بآخر نصف قرش كانت تمتلكه جدته، ورغبته بمقاومة الفقر الذي كان يكبل أحلامه في كل مرة ويعيده بائسا لمعطيات الواقع.
طعم الهيطلية الذي كان يتلذذ بها بالخفية عن والدته برفقة اصدقائه، وتفوقه رغم كل هذا الأسى وتحديه لقيود الفقر الذي ما نال من روحه المغامرة المشاغبة الشغوفة حتى جعلت منه روائي وناقد فلسطيني ظل يحلم بالعودة لوطنه بعد تغربه في العراق، حتى خطف الموت حلمه قبل عامين من موعد تحقيقه.
كل هذه المفارقات استطاع ان يجسدها الفنان خالد المصو في أجواء استثنائية على طريقة “المونودراما”، كان يتنقل بين الشخصيات كأنما يقلب صفحات كتاب حفظه عن ظهر قلب، ويأخذ الحضور معه لكل تجليات وتفاصيل الشخصية، بطريقة جعلت من العرض لوحة فنية عاشها الحضور وسط أجواء استثنائية.